أساسيات سيكولوجية الألوان
1. مقدمة:
إذا
كنت قد أنجزت تصميما من قبل، فلعلك تكون تعلم قدرا و لو يسيرا عن سيكولوجية
الألوان و تعلم أيضا عن المشاعر و العواطف التي تربطنا بكل لون معين.
اللون
الأحمر هو للشغف، و الأزرق للهدوء و هكذا. أما اللون الأصفر هو مرح، ولكن لماذا
مثل هذا اللون يكون مبهج ؟ من المغري التمسك بشعور بسيط، لكن هذا بالضبط تفسير
مفرط في التبسيط. فكر في الأمر: إذا كانت الارتباطات التي نؤسسها بين العواطف
والألوان فطرية ، فلن تختلف من ثقافة إلى أخرى ولن تتغير بمرور الوقت (نفكر بشكل
خاص في اللون الوردي ، الذي كان ذات يوم لونا للأولاد).
شيء
واحد ثابت؛ تلعب الألوان دورا مهما، و هذا ما يوجب عليك التأقلم مع استعمال
المبادئ الأساسية في سيكولوجية الألوان قبل البت في اختيار أي لون يمثل أفضل
علامتك التجارية. لما تعرف ما يثيره اللون الفلاني أول أخر في شعور المستهلك،
حينها ستتمكن من الإستفادة من دلالات هذا اللون لتكوين صورة علامتك التجارية و
لإيصال القيم التي تريدها.
2. مفهوم سيكولوجية الألوان:
سيكولوجية
الألوان هي دراسة الطريقة التي تؤثر بها الألوان التي نراها على أفكارنا و
مشاعرنا. لكن قبل أن نتعمق في سيكولوجية الألوان كما ينبغي على المستوى النظري، يجب
علينا تحديد مفهوم اللون.
على
الرغم من أننا نعتقد أننا نرى ألوانا و صبغات (teintes) مختلفة ، إلا أن الألوان
حقيقة هو في الواقع هو مجرد موجات ضوئية ذات أطوال مختلفة. يتواجد الضوء في الطيف الكهرومغناطيسي،
و تتوزع الموجات الضوئية من الأطول إلى الأقصر.
لكل طول أو قسم من الطيف الكهرومغناطيسي اسم
معين و نوع مختلف؛ موجات الراديو، الميكروويف (les micro-ondes) ، و ضوء الأشعة تحت الحمراء،
و أشعة جاما (les rayons gamma) ، و الأشعة السينية (les rayons X).
في
مركز هذا الطيف نجد منطقة صغيرة تسمى الطيف المرئي تحتوي على موجات ضوئية ينحصر
طولها بين 400 إلى 700 نانومتر، وهي تتوافق مع مجال الرؤية و الإدراك في العين
البشرية، وتشتمل على كل الألوان (lumière perceptible) التي نراها.
يعمل
الباحثون في مجال سيكولوجية الألوان على دراسة الروابط البدائية و الثقافية التي
تنشأ عند الإنسان بسبب لون معين، و كيف يؤثر التعرض لهذه الألوان على تحيزاتنا (préjugés) و سلوكياتنا.
لنأخذ
مثالا ملموسا؛ أقيمت تجربة في دولتي اسكتلندا و اليابان: حيث تم وضع أعمدة إنارة
في الشوارع ذات لون أزرق، أدى ذلك إلى تقليل نسبة الجرائم و الإنتحار في تلك
الشوارع بنسبة مدهشة. يحاول المختصون في دراسة سيكولوجية الألوان في شرح هذه
الظاهرة و تفسيرها.
قد
يكون اللون الأزرق لإنارة الشوارع غير اعتيادي، ما يعطي انطباعا أن شيئا ما ليس
طبيعي و بالتالي يدفعهم إلى الترك و التخلي عن خططهم. و لكن قد يكون السبب أيضا هو
أن اللون الأزرق غالبا ما يرتبط بالشرطة ، لذلك يجب أن نكون أكثر حذرا. أو يمكن أن
يكون السبب أن اللون الأزرق هو معروف عالميا بالهدوء و السكون تقريبا ، و يمكن أن
يكون له تأثير إيجابي و مهدئ على الأشخاص
الذين يتعرضون له.
3. تأثير اللغة على صورة إدراك
اللون:
سابقا
لم يكن أسلافنا يرون و يدركون الألوان كما نراها نحن اليوم. كذلك، نفس الألوان
التي نراها نحن اليوم، يختلف إدراكها من منطقة إلى أخرى في العالم بأسره. قد يبدو
الأمر مبالغا فيه كثيرا رغم أنها حقيقة علمية مثبتة. أثبتت الدراسات أن اللغة التي
نتكلمها تؤثر على الطريقة التي ندرك بها الألوان.
أثبتت
دراسة أخرى أنجزت سنة 2006 أن أفراد قبيلة هيمبا (Himba)، توجد بدولة ناميبيا، لا تملك
كلمة في ثقافتها لوصف اللون "الأزرق"، ما أسهم في عدم تعرفها على مربع
أزرق من بين عدة مربعات ذات لون أخضر، بالنسبة لهم كانت كلها خضراء. بالنسبة
للناطقين بالإنجليزية، فهذا الأمر لا توجد فيه أي صعوبة تذكر.
بالمقابل،
لما عرضوا أمامهم عدة مربعات خضراء أخرى؛ تشمل بعضها صبغة مختلفة عن الباقي قليلا،
استطاع أفراد هذه القبيلة أن يتعرفوا فورا على المربع المختلف، و هذا النشاط لا يقدر على فعله الناطقين
بالإنجليزية. و هذا يرجع إلى احتواء لغة هذه القبيلة على كلمات تصف أغلب درجات
اللون الأخضر، في حين أ، الناطقين بالإنجليزية يصفونها فقط بـ"خضراء".
حاول
أن تفكر الآن في الصورة التي يترابط فيها البحر و اللون الأزرق فيما بينهما.
بالنسبة لشخص ناطق بالفرنسية أو ناطق بالانجليزية فالأمر سواء؛ البحر ببساطة هو ذو
أزرق.
و مع
ذلك، فلم يرى هوميروس نفس الشيء في الأوديسة، حيث يوصف البحر أنه "نبيذ
مظلم". يوصف العسل باللون الأخضر والأغنام بنفسجية! لم يكن هوميروس هو المؤلف
الوحيد في ذلك الوقت الذي كان عالمه خاليًا من اللون الأزرق. مفتونًا بغياب هذا
اللون في أعمال هوميروس ، درس ويليام جلادستون (William Gladstone) ، الباحث البريطاني في القرن
التاسع عشر (الذي تبعه لاحقًا الفيلسوف الألماني لازاروس جيجر) عن كثب النصوص
القديمة من جميع أنحاء العالم ووجد أن المصريين القدماء فقط هم من يمتلكون كلمة تعني
اللون الأزرق. و كانوا أيضا الثقافة الوحيدة التي ملكت الصبغة الزرقاء.
توصلت أعمال
جلادستون (Gladstone) و جيجر (Geiger) إلى نفس النتيجة ، سواء كانت مسألة لغات الهند أو أيسلندا: هم
أول من استخدم الكلمات الملونة الأولى للإشارة إلى الأبيض والأسود.
هذه هي
الكلمات التي تشير إلى اللون الأحمر الذي يأتي بعد ذلك ، متبوعًا بعبارة الأصفر
والأخضر. في كل لغة من اللغات التي تمت دراستها ، كان اللون الأزرق هو آخر لون
معترف به رسميًا.
4. أصول الروابط بين الألوان و
المشاعر:
حدد
الباحثون أن بعد اعتماد اللونين الأبيض و الأسود، تم اعتماد اللون الأحمر في
الكتابات الرسمية في معظم الثقافات. هل تتساءلون لماذا ؟
يرجع
ذلك أن اللون الأحمر هو أهم الألوان المتواجدة في الطبيعة: هو لون الغضب الذي يشير
إلى "ابتعد فورا و إلا هاجمتك". هو أيضا لون الثمار الناضجة القابلة
للاستهلاك.
لا
تحتاج جميع الحيوانات إلى إدراك اللون الأحمر بقدر ما تحتاج الحيوانات المعتبرة
كفريسة، ولهذا السبب ليست كل الحيوانات تملك بنية العين اللازمة لإدراك هذا اللون (أو
الألوان الأخرى التي ندركها) حيث اللون الأحمر هو المنذر بالخطر. ربما سمعت أن
الكلاب مصابة بعمى الألوان. هذا لا يعني أنهم يرون الأبيض والأسود فقط ، ولكنهم
يرون العالم بطريقة أكثر ضبابية وأقل تباينًا مما نفعله نحن.
و
بالطبع، فإن الله تعالى زود بعض مخلوقاته بهياكل عين ضرورية لإدراك الألوان التي
تحتاجها للبقاء على قيد الحياة. على سبيل المثال ، يمكن للطيور رؤية الأشعة فوق
البنفسجية ، وهو ما لا يمكننا القيام به. بينما حيوانات أخرى مثل القريدس ترى
العالم بطرق لا يمكننا تخيلها أبدا.
مثلما
تطورت قدرتنا على إدراك الألوان بطرق مخصوصة تناسب قدرتنا على البقاء على قيد
الحياة، فحتى ارتباطنا بالألوان مع مشاعرنا قد تغير أيضا. اللون الأزرق هو رمز
السماء، وتأثيره مهدئ و مريح. بما أنه نادرا ما توجد في الطبيعة أطعمة ذات لون
أزرق، فاللون الأزرق ليس مثيرا للشهية. بالمقابل فاللون الأخضر لون الحيوية
والنضارة ، لأن براعم النباتات الصغيرة تكون من هذا اللون في الطبيعة.
5. سيكولوجية الألوان و الثقافة:
يمكن
تفسير بعض الدلالات ، مثل تلك المتعلقة باللونين الأحمر والبني ، من خلال التفكير
في مكان ظهورها في الطبيعة وما تعنيه للإنسان الأوائل. لكن هذا لا يزال لا يفسر لماذا يمثل اللون الأسود
الفخامة جيدًا أو لماذا اللون الأصفر هو لون مرح وممتع.
في
الواقع ، تأتي بعض الروابط من صميم ثقافاتنا وليس من الطبيعة. هذا هو السبب في أن الروابط
الدلالية ليست كلها عالمية و موحدة، وتختلف معاني الألوان من بلد إلى آخر. في
الصين والهند ، يرتبط اللون الأبيض بالموت ، على عكس الغرب الذي يفضل الأسود. وبالمثل
، يعتبر اللون الأصفر في الولايات المتحدة هو أسعد الألوان وأكثرها مرحًا ، بينما
في اليابان هو لون الشجاعة.
يمكن
أيضًا أن تتغير الروابط الثقافية للون معين بمرور الوقت. قديما كان اللون الأخضر ،
لون النمو والتجديد ، مع ذلك صار هذا اللون رمزا للموت في أوروبا في القرن الثامن
عشر. لماذا ا ؟ لأن الصبغة الخضراء في ذلك الوقت كانت تحتوي على الزرنيخ ، والذي
يمكن أن يقتل حرفياً أولئك الذين تعرضوا له كثيرًا. ظلت آثار هذا الدلالة قائمة،
ولا يزال اللون الأخضر في بعض الأحيان مرتبطًا بالسمية.
6. استعمال سيكولوجية الألوان لخلق
أواصر مع المستهلك:
حقيقة
أن عبوات المنتجات العشبية غالبًا ما تكون خضراء اللون أو أن منتجات التنظيف
غالبًا ما تكون مغلفة باللون الأبيض ليست مجرد مصادفة. تستفيد العلامات التجارية
من ارتباطات اللاوعي التي نصنعها بألوان معينة لتوصيل قيمها.
وتجدر
الإشارة إلى أن شركة الخدمات الدولية للتوريد و اللوجيستيك (UPS) اختارت اللون البني باعتباره
لونها الرئيسي ، والذي ، كما تعلم ، يرتبط بالمصداقية. ونحن نفهم السبب جيدا: المصداقية
ضرورية جدًا لزبائن هذه العلامة التجارية.
7. مذكرة حول سيكولوجية الألوان:
الدلالات الأكثر انتشارا:
عندما
تتعلم المزيد عن علم نفس الألوان وحول الألوان عموما التي تكون الأفضل لشعارك أو
موقعك على الويب أو أي عنصر من عناصر العلامة التجارية الأخرى ، ضع في اعتبارك
الارتباطات الأكثر شيوعًا.
· الأحمر:
الأحمر
هو لون العاطفة و الحركة والطاقة والخطر. عند تذكره يخطر في بالنا مباشرة علامات
المرور و بالتحديد علامة "توقف" (STOP)، النار و الورود.
· البرتقالي:
البرتقالي
هو مرادف للإبداع والحماس والطاقة والشباب. فكر في مخاريط المرور (Cônes de signalisations) والملابس عالية الوضوح
وفيتامين سي!
· الأصفر:
يمثل
اللون الأصفر الفرح، الأمل، الدفء، العفوية و الإيجابية. يخطر ببالنا الشمس و
الإيموجي.
· الأزرق:
يمثل
اللون الأزرق مرادفا للهدوء و المصداقية، فأكبر البنوك و الهيئات المالية الأخرى (Visa, PayPal, American Express) و كبرى الشركات (General Electric, Boeing, Lowe’s) تختار اللون الأزرق كعلامة
بارزة في هويتها البصرية.
· الأخضر:
غالبا
ما يرتبط اللون الأخضر بالطبيعة، النمو و الثراء بسبب أنه بكل بساطة هو لون الشجر
و المال (الدولار الأمريكي).
· البني:
اللون
البني هو اللون الواقعي الذي يمثل الدفء والطبيعة والصدق والكمال..
· البنفسجي:
اللون
البنفسجي هو لون غامض و عجيب يمثل الإبداع، الفخامة، الروحانية و الثراء.
· الوردي:
اللون
الوردي هو لون شبابي يرمز إلى الرومانسية و السرور والأنوثة.
8. دور الألوان في عملية
البراندينغ:
ضع في اعتبارك مبادئ علم النفس ونظرية الألوان عند تصميم شعارك وتغليف المنتج والموقع الإلكتروني وأي شيء متعلق بعلامتك التجارية. الألوان هي أدوات قوية ستساعدك على ايصال رسالتك لجمهورك، لذا تأكد من اتخاذ الخيارات الصحيحة.
--------------------------------------------------
المقال مترجم
النص الأصلي: Les principes fondamentaux de la psychologie des couleurs